لا تزال المنطقة العربية من بين الأقل مساواة في العالم، فالفقر في تزايد، والفجوة في الثروة لا تفتأ تتسع فتشتد معها أبعاد عدم المساواة. وتسجل المنطقة مستويات مزمنة، بل ومتفاقمة، من عدم المساواة في الفرص، لا سيما بالنسبة إلى فئات من السكان في بعض المواضع الجغرافية. وفي انتشار البطالة بين الشباب والشابات مثال، فمعدلات البطالة لدى هذه الفئة في المنطقة العربية أعلى بحوالي 3.8 مرة من العاملين البالغين، وظلت هذه النسبة هي الأعلى في العالم على مدى ربع قرن. وبل تسجل فئات أخرى، كالنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، معدلات بطالة أعلى. وأما أوجه عدم المساواة بين الجنسين، فلا تزال عصية على الحل وأعلى من المستويات العالمية وتتراجع أيضاً فرص خلق الثروات، فأغنى 10 في المائة من البالغين العرب يمتلكون 80 في المائة من مجموع ثروات المنطقة. وما لم تعالج هذه العوامل، فستضرب بجذور أعمق، لترسخ عدم المساواة، فتصيب بأسوأ آثارها أفقر المجتمعات المحلية وأشدها هشاشة. ولذا، فإن هذه العوامل وقود للشعور بالسخط والاغتراب بين سكان المنطقة العربية، وعامل تفتيت لتماسك المنطقة الاجتماعي.
وحين ضربت جائحة كوفيد- 19 المنطقة العربية، ضخمت الأبعاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لعدم المساواة، مع تداعيات أشد على الشباب والشابات. وكشفت الجائحة عن أوجه عدم المساواة الاقتصادية، ومدى هشاشة شبكات الأمان الاجتماعي التي لم تتمكن من حماية المجتمعات المحلية المهمشة والمعرضة للمخاطر من الأزمات المتداخلة التي برزت بفعل تفشي الفيروس.
الصورة تبدو قاتمة، لكن سكان المنطقة متفائلون ومفعمون بالأمل. فقد بيّن مسح أجرته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا )الإسكوا( أن 52 في المائة من سكان المنطقة يرون أن فيها مساواة كلية أو جزئية، ويعتقد 47 في المائة أن المساواة ستتزايد خلال السنوات الخمس المقبلة.
ولا بد من اغتنام بصيص الأمل هذا.
ولا بد للحكومات العربية أن تستفيد من زخم الشباب هذا وحماسهم، فلا تدخر جهداً في تسخير هذه الطاقات. وهذا الزخم هو محرك قوي للتغيير، وتستدعي الاستفادة منه الذهاب ما وراء الجهود المصطنعة والمؤقتة لتدارك أخطاء الماضي إلى تحقيق إصلاحات جذرية لأسباب عدم المساواة، وذلك عبر معالجة المصاعب الهيكلية، والفساد، وتحديات الحوكمة، وأوجه القصور المؤسسية، مع إطلاق سياسات اقتصادية واجتماعية منسقة. ولا ينبغي الإغفال عن أن إيجاد فرص العمل كان هو المطلب الرئيسي لفئات السكان التي غطاها المسح، ففرص العمل اللائق مفتاح لإطلاق الطاقات الإنتاجية بين الشباب، ولتفادي هدر جيل آخر من أجيال المنطقة وحرمانه من الوصول إلى الفرص مع انتقاله إلى سوق العمل.
وعلى ما تتخذه الحكومات العربية من تدابير أن يراعي تحقيق أثر ملموس في الحياة، وتأمين المصداقية، وتعزيز التضامن، ففي هذه المحاور الثلاثة نهج ناجح لسياسات الحد من أوجه عدم المساواة. وينبغي اعتماد حلول عملية لترجمة هذا النهج إلى الواقع، والتأكد من وصول مكاسبه إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
ولإطلاق هذا التحول في طريقة التفكير في إصلاح السياسات، أقترح إنشاء صندوق للتضامن، وتحالف إقليمي لإعادة الربط بين مختلف شرائح المجتمع، الغنية منها والفقيرة، لإيجاد فرص للفقراء والمهمشين تيسر لهم حياة مزدهرة كريمة، ولتحسين الرفاه المشترك وضمان النمو نحو مجتمعات أقوى وأكثر استقراراً لا تهمل أحداً على مسار أهداف التنمية المستدامة، ولنشر روح المسؤولية المشتركة والتضامن المجتمعي والشراكات الفعالة من أجل التنمية.
العمل الآن، إذ لن يسامحنا أطفالنا إذا كان إرثنا لهم هو مجتمعات مشرذمة هشة مهمشة.
رولا دشتي
تحميل التقرير بالكامل باللغة العربية اضغط هنا
شارك معنا برأيك